لِم تكن تلك الأصوات المنبعثة من النوافذ المجاورة تثير انزعاجها، وإنما أسعدها أن تصغي إليها بمنتهى الرهافة...
كانت تسترق السمع, وتحسّ بصوت كلّ طفل، حتى أنها غدت تميّز كلّ طفل من طريقة بكائه..
كم هي الآن تتوق للأمومة؟!.. تبدأ بتخيل طفلها وهي تهدّهد على صدره, حتى أنها تشاهد العالم من خلال عينيه الخضراوين...
أحبّت زوجها, كان مختصراً كل المفاهيم الجميلة, يخيّل إليها أنها لو لم تعثر عليه لضاعت وسط المتاهات, في أول لقاء لهما أدرك أنها أصابته بسهم اخترق قلبه, وأنه أصيب بداء حبّها إلى الأبد..
كانت تكتفي بمراقبته وهو يغط في نومه..
تتأمله..
تكاد أصابعها أن تلامسه، فتقترب من أذنه وتهمس له: أحبّك يا أنا..
في تلك الليلة لم تكتفِ بمراقبته وإنما هزّته لدرجة أنها لم تخشَ من ملامسته، حتى أيقظته..
- "أرغب أن أكون أمّاً"..
- "كوني كما تريدين ولكني ما زلت أشعر بحاجة إليك.. أما زلت ابنك؟"..
قالها وهو يحسّ بحنينها لأن تكون امرأة..
أحسّ بتلك الأنثى التي تكاد أن تتفجّر لتملأ الكون بالمزيد من الحبّ والحنان..
كان رسّاماً، يعبّر عن مشاعره بطرقه الخاصة، فتارة ينشر كلّ نزقه على المساحة البيضاء وتارة يعيد صياغة نفسه كما يريد..
في تلك الليلة لم يستخدم ألوانه فقط وإنما استنزف حواسّه كلّها ومشاعره كلّها...
عندما خرجت من عيادة الطبيب أيقنت أنها لم تدرك جمال الكون بعد,
حاولت أن تكتم الفرحة,
واستعجلت بخطاها حتى وصلت إليه..
لم يشعر بوجودها,
ولكنّ عطر روحها أعاده إليها في تلك اللحظة...
لم تخبره بأنها تنتظر طفلاً ولكنه اقترب منها قليلاً ليجد في عينها بريقاً أدهشه...
في تلك اللحظة سمع صوت دقّات قلبها!..
نظر إليها..
تأمّلها من جديد..
كانت امرأة مختلفة..
كلّ ما فيها يتكلم، مع أنها لم تنبسّ بحرف واحد...
بعد قليل همست له:
"يسعد المرأة أن تشعر بأمومتها ولكن يطير صوابها أن تنجب ممن تحبّ"..
كانت أصابعه تتسلّل إلى شعرها..
غمرتها نشوة لم تعرفها إلا وهي معه...
وبينما هي منشغلة بكلماته، التي تُغيّبها عن وعيها، أحسّت بشيء جديد مقيم في أحشائها.. تحسّست بطنها...
ثم غابت من جديد.