المسيحية نشأت وتأصلت في سورية. فهي من تراثنا الأصيل. ولد المسيح في فلسطين (من بلاد الشام). وأخذ القديس بولس دعوته في دمشق وفي أنطاكية أولاً عاصمة سورية في العهد الروماني دعي تلاميذ يسوع مسيحيين. وفي مطلع القرن السابع كان جلّ سكان سورية اعتنقوا المسيحية.
والمسيحية ليست غريبة عن العروبة. في القرنين الخامس والسادس اعتنقت القبائل العربية في بلاد الشام والعراق الديانة المسيحية. والدول والممالك العربية التي نشأت في هذه الحقبة كانت مسيحية: حِمير في اليمن، كنده في نجد، المناذرة وقاعدتهم الحيرة في العراق، والغساسنة في بلاد الشام، علاوة على تغلب القبيلة الأبيّة. الظروف السياسية الدولية أدّت إلى أنهيار الدول المسيحية العربية اواخر القرن السادس ومطلع السابع مما أحدث فراغاً سياسياً سهل سيطرة الإسلام. فالمسيحية ليست غريبة عن العروبة والعروبة ليست مرتبطة حصراً بالإسلام.
عاش المسيحيون السوريون مخلصين لوطنهم في ظل الأنظمة المختلفة التي تعاقبت على سورية.
1. في ظل الدولة الرومانية الوثنية: قاسى المسيحيون الإضطهاد لمعارضتهم العبادات الوثنية وعبادة الأمبراطور انما ظلوا موالين للحكام ويصلّون من أجلهم ولم يتمّيز المسيحيون عن سائر المواطنين إلا بسمّو اخلاقهم. وانخرط العديد منهم في الجيش.
2. في ظل الدولة الرومانية المسيحية: اصبح المسيحيون الأكثرية ونعموا بالإزدهار. وتركوا أثاراً عمرانية رائعة وآثاراً أدبية لاهوتية وشعرية أغنت الكنيسة جمعاء وتعتبر من التراث السوري الأصيل انما يجهلها اكثر مواطنينا ويبقى منها آثار في صلوات الكنائس الشرقية.
3. في ظل الدولة الإسلامية. قبل المسيحيون الحكم الإسلامي وخضعوا له بموجب معاهدات الصلح ولم يرغموا على اعتناق الإسلام كدين. لم يكن لهم دور سياسي وعسكري (ما عدا مساندة القبائل العربية المسيحية للأمويين والمناصب التي شغلوها في حكم المرداسيين في حلب في القرن الحادي عشر). انما كان لهم دور حضاري ممّيز على مستوى الاقتصاد والفكر، وشغلوا مناصب إدارية في مجالات الخدمة وليس في مجالات السلطة. ضعف تأثير المسيحيين بعد القرن الحادي عشر لتناقص عددهم ولسيطرة العناصر التركية على البلاد. وشكّل العصر العثماني حقبة انتقالية بين الحكم الإسلامي وحكم الدولة الحديثة. واعتبر المسيحييون بمختلف مذاهبهم مللاً وطوائف يرتبط المواطن من خلالها بالدولة وهي شبه قومية واصبح الولاء للطائفة أكثر مما هو للدولة العثمانية.
4. في ظل الدولة الحديثة. اصبح المسيحيون مواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات التي للأكثرية. ووضعهم حلّ توافقي بين العلمنة والطائفية والشرع الإسلامي، وهناك امكانية اعادة التوازن بين هذه العناصر الثلاثة من خلال حوار جدي. ليس للمسيحيين دور سياسي خاص وهم يدعمون نظام الحكم الذي يرضى به الشعب السوري ككلّ. ويطالبون بالحفاظ على كرامة الشخص الإنساني وحرية المعتقد وتحقيق العدل الإجتماعي والإزدهار وتكافؤ الفرص بين الجميع . كما يطالبون بأن تصان مؤسساتهم الثقافية والإجتماعية كي يتمكنوا من الحفاظ على هويتهم الخاصة والقيام بالدور الحضاري المميّز المنوط بهم.